حدثين عشتهما اليوم..
الأول:
عندما ذهبت إلى محطة حافلة الشركة، واستقليت الحافلة حتى وصلنا البوابة رقم (5) الخاصة بالسيارات والحافلات، توقفت الحافلة وترجل منها العاملون، فلم أعر ذلك أي اهتمام لاستغرابي من الموقف.. فقد كانت الحافلة تدخل بركابها إلى المحطة الداخلية حيث ينزل الركاب ويستقل كل عامل الحافلة المخصصة لمكان عمله..
كلمني أحدهم أن "أنزل"، فأشرت له بأنني سأبقى ولن أنزل..
وتحركت الحافلة، ويبدو أن السائق لم ينتبه لوجودي داخلها، حتى وصلت البوابة رقم (2)، فحي السائق أحد الواقفين بالبوابة، وولج إلى داخل الشركة..
وصلت الحافلة إلى المحطة، وعندما أردت النزول اكتشف السائق وجودي، فقال لي بأن وجودي على متن الحافلة (ممنوع)!!!..
قلت له: وهل لديك تعليمات كتابية في ذلك.؟.
قال: لا توجد تعليمات كتابية، ولكن التعليمات التي لديه هي عدم إبقاء أي عامل في الحافلة، أي يجب إنزالهم جميعاً أمام البوابة وخارج أسوار الشركة، ليدخلوها على أرجلهم..
أكد لي أنه لا توجد لديه تعليمات كتابية، وأنه يجب عليَّ عدم إعادة صنيعي مرة أخرى.. فهمهمت، وشكرته وانطلقت..
ووجدت نفسي أمشي مرة أخرى مع نفس الأشخاص الذين كانوا على متن الحافلة، فقلت في نفسي لا علاقة للأمر بالنظام والتنظيم..
إذ أننا كنا وإلى وقتٍ قريب، ندخل ونحن داخل الحافلة، والمسافة ليست بالبعيدة عن البوابة وأسوار الشركة..
ولم يعترضنا أحد بأي تعليمات.
فلماذا هذا الإصرار الغريب على إعطاء هذه التعليمات.؟؟؟..
ليس هناك إلاَّ جواب واحد..
إنه الرغبة في الإذلال، والتمييز والطبقية المقيتة..
إنه بداية التسلل لوأد المكتسبات التي حققها العاملون بعد الثورة والتحرير..
كل المناورات التي قام بها الجالسون تحت قبة المبنى الإداري، كانت تدور حول هذا الهدف..
لقد ضاقوا ذرعاً بمضايقة العاملين لهم، في دخولهم وخروجهم، وفي محطات الوقوف وغيرها..
بعض العاملين -أو كثيرٌ منهم أو أكثر العاملين- اصطفوا إلى جانب القابعين تحت القبة، دفاعاً وتبريراً بل وتهجماً على كل من يطالب بمزيدٍ من الحرية والانعتاق من قيود الإذلال وإهانة الكرامة..
وهذه لعمري لاحقةٌ لسوابقَ حدثت في التاريخ الإنساني، لا زال البشر يستشهدون بها..
حتى أن أحدهم "د. مصطفى محمود" قال:
(هناك من يناضلون من أجل التحرر من العبودية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية)..
لقد أصبحنا نشعر بأن الشركة ما هي إلاَّ "عزبةٌ" لبعض المحظوظين، كما كانت تدعى "إمبراطورية" أيام رئيسها الأول..
حسبوها "عزبةً" ونحن فيها ثيران وجواميس، وقد لا نستغرب أن يخرج علينا أحدهم بصك ملكيةٍ لهذه العزبة، التي كنا نتوهم أنها ملك الليبيين جميعاً.
الثاني:
سألت أحدهم عن حاله، فقال إنه في دورة لدراسة اللغة الإنجليزية بمركز تدريب الشركة..
قلت له: كم أنت محظوظ بحصولك على هذه الفرصة، التي طالما تمنيتها وحلمت بها.
قال: إن المدير ظلَّ يبحث عن من يذهب للدورة ولم يجد، فعرضها عليَّ وقبلت.
وتذكرت اتصال رئيسي الأعلى بي في نهاية دوام يوم خميس، وهو يعرض عليَّ دورة تدريبية، قائلاً: لقد عرضتها على جميع المهندسين فلم يقبل بها أحد..
قلت له فرحاً مسروراً: هذه دورة مفيدة ولا أمانع في حضورها بتاتاً، وطلب مني الذهاب يوم السبت إلى إدارة التدريب، على أن يلحق بي "أمر التكليف"..
تحسرتُّ على نفسي وعلى الشركة كثيراً..
ألهذا الحد نحن مهمشون؟؟..
تذكرتُ حين كان رئيسي يطلب مني مراسلة أو الرد على شركات أجنبية، وكيف كنت أعاني من جراء ذلك..
كنت أقول لنفسي، كيف أفهم لغة المصطلحات والتعبيرات التي يتعاملون بها، وأنا لم أحظى بدورة في اللغة الانجليزية منذ أن وطئت قدماي أرض المجمع الذي أصبح شركة..
ألا يعلم هؤلاء المسؤولين أن إعداد العاملين إعداداً جيداً يصب في مصلحة الشركة ومصلحتهم كذلك؟؟..
هل يريدون منا أن "نتسول" الدورات، ونريق ماء وجوهنا أمامهم.؟؟..
هيهات هيهات..
لخراب الشركة وخراب الدنيا أهون علينا من إهدار كرامتنا..
أحدهم يتمنى عليَّ ترك المجال للجيل الجديد.. إذا كُنْتُ قد مللتُ وأصبحتْ الشركة لا تعنيني..
وكأنه يذكرني بأنَّ هذه الشركة ملكية خاصة، لا يحق لي أن أتعيش منها.
هل يدري المسؤولون مدى "الإحباط" الذي نشعر به جراء هذه المعاملة والنظرة الدونية؟؟.
نحن بعيدون جداً عن فهم معنى "كرامة الإنسان" التي لم يفهمها -حقيقةً- إلاَّ مخلوقُ واحدُ، اندثر وتلاشى في الفيافي والقفار..
إنَّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار..
وأيُّ عبرة..
ضريبة الذل بقلم سيّد قطب
ردحذف-----------------------
بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، “يحسبون كل صيحة عليهم” ، “ولتجدنهم أحرص الناس على حياة”.
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
المقالة كاملة في في مدونة بهذا الرابط:
http://eplume.wordpress.com/2011/07/21/%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%84-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%B3%D9%8A%D9%91%D8%AF-%D9%82%D8%B7%D8%A8-qutb/
قرأت هذا الكلام النفيس منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في كتاب (في ظلال القرآن) التفسير الشهير..
حذفوهذه كلمات نفيسة جداً، تكاد تغني عن الموضوع، للأستاذ سيد قطب:
رسالة لكل من اختاروا الطغاة........من الاستاذ سيد قطب - رحمه الله
.............................................................
العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لابد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد، أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد، وتراموا على الاعتاب يتمسحون بها، ولا ينتظرون حتى الاشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين.
إنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر، فيحسبون التحرر تمردا، والاستعلاء شذوذاً، والعزة جريمة، ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الأحرار المعتزين، الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق.