من مآسي الإدارة..

مفهوم  الإدارة هو وظيفةٌ مسؤولةٌ عن توجيه الأنشطةِ واستثمارِ المواردِ لتحقيق أهدافٍ محددة في إطار سياسات وقواعد عامة..
والموارد تشمل الموارد البشرية بمختلف تخصصاتها ومؤهلاتها، والموارد المادية من آلات ومعدات ومرافق ومواد خام..
ومن مظاهر الفساد وسوء الإدارة، أن تستغل هذه الموارد استغلالاً سيئاً، أو عدم الاستفادة منها وهدرها أو أهمالها، وكذلك التسبب في هلاكها وتدميرها في أسوأ الحالات..
و ما نعرضه هنا هو مأساة من مآسي سوء الإدارة في شركتنا العتيدة هذه..

المأساة الأولى:
ورشة ميكانيكية تحتوي على عدة آلات ومعدات لم يتم استغلالها، ولم تشغل إلاَّ مرات نادرة جداً، وبقيت عاطلة عن العمل لسنين عديدة.

(أنظروا إلى الصور المحزنة التي توحي بأنك في متحف لا يزوره أحد، قد غُلِفَتْ معروضاته خشية تراكم الغبار عبر سني الإهمال).
هذه الورشة تقع في مصنع درفلة القطاعات الخفيفة والمتوسطة بالدرفلة الطولية، علماً بأنه توجد ورشة مشابهة لها في مصنع درفلة القضبان والأسياخ..
السؤال المطروح: لماذا لم يتم استغلال هذه الورشة.؟...
المبرر الذي سيصدمونك به هو قلة الفنيين المؤهلين، أو نقص الكادر -الملاك- الوظيفي..

 
أو.. عدم الحاجة إليها أصلاً لقلة الأعمال..
والذي يدحض الحجتين هو كثرة الأعمال المحالة إلى الورشة المركزية، رغم وجود إمكانية تنفيذها في الورش الداخلية للإدارة العامة للدرفلة الطولية..
والغريب في الأمر أنه لم يتسائل أحدٌ من القيادات الإدارية العليا في الدرفلة الطولية أو الشركة ذاتها عن هذا الخلل الفاضح..
والحقيقة أن مرد هذا الخلل يرجع إلى العجز والفشل والإهمال ولا شيء غيرها..

أما المأساة الثانية:
وهي بحق فضيحةٌ من العيار الثقيل -جداً- فهي ما حدث في الورشة المركزية بالشركة..
حيث كنا ننادي قديماً بأن يتم استغلال الورشة المركزية على مستوى الدولة وليس على مستوى الشركة أو المدينة. لأن ما يتوافر فيها من الآلات، من حيث التنوع والتكامل والشمول والضخامة، لا يتوفر في كثيرٍ من الورش الأخرى حتى على صعيد الدولة..
ولكن يبدو أن قادة الشركة كان لهم رأيٌ آخر ورؤية مخالفة..
فقد قامت إدارة الشركة بعملٍ جريء وخطوةٍ غير مسبوقة تعد بدعةً فريدة في العمل الإداري، بأن قامت بتأجير جزءٍ من مبنى الورشة لأحد "الخواص" ليقيم به ورشة صغيرة تأخذ على عاتقها الأعمال التي يفترض أن تقوم بها إدارة الورشة المركزية، بما حبيت به من آلات ومعدات وكوادر فنية مؤهلة..
هنا تقف القلوب عن الدَّق، وتخرس الألسنة عن النطق...
وهنا كذلك يبطل المثل القائل: كمن يبيع الماء في حارة السقايين..
وهو -لعمري- بحقٍ هتكٌ لعِرضْ الشركة وتمريغٌ لشرفها في الوحل..
ولا ندري كذلك، هل السبب عدم كفاءة الآلات والمعدات، أم قلة الموارد البشرية وعدم كفاءتها، أم هو زحمة العمل، أم أنها الجدوى الاقتصادية؟؟...
جميع هذه المبررات الواهية لا تشفي غليل المتسائلين المندهشين.. لسببٍ بسيط واحد..

 
أنها ورشة وحيدة الآلات والمعدات والمشغلين، هي آلةٌ واحدةٌ بمشغلٍ -ليبي- واحد..
هذه الآلة يمكن شراء مثلها، بل وأفضل منها، بكلفة لا ترقى إلى الهدر الذي تمارسه قيادة الشركة في توافه الأمور، وليس أدل على ذلك من سور القرية السكنية الذي تكلف أكثر من (نصف مليون) دينار، أو الساحات الترابية التي تكلفت (مليون) دينار إلاَّ خمسين ألفاً، وهو مشروع -ثوري- يقتضي وضع التراب على التراب، حتى تكون عملية تآكل المنتجات أكثر =فخامة= و =راحة=..
وقد كان الأجدر بالإدارة العليا أن تقوم بتأجير صاحب الآلة وتنصبه مديراً للورشة بدلاً من مديرها الفاشل..
هذه أمثلة على الانجازات الإدارية، التي بفضلها تمسمر المدراء المسؤلين عنها فوق كراسيهم، بل إن بعضهم ارتقى في المنصب، ولعله -إن استمر هذا الحال- ينظر إلى الصدارة وأنها لقريبة المنال..
فكم من ملايين أُهْدِرَتْ بسبب قرارات العجز والفشل التي يستسهلها من أمِنوا عاقبة الحساب والعقاب..
وبدوري أُهدي هذه الانجازات إلى العاملين الذين يسهمون -بقلة وعيهم وعنادهم اللامبرر- في تدهور وهدر إمكانيات الشركة..
وسنظل نعيش على أمل أن تُكنس هذه الإدارة، وأن يرتقي مستوى وعي العاملين إلى أن يُدْرِكوا أن مصلحتهم الحقيقية هي في شركةٍ تجيد إدارتها الاستفادة من إمكانياتها وتوظفها للرقي بالبلاد وأهلها..
وإلى أن يأتي ذلك اليوم..
سنظل.. نحلــــــــــــــــــــم..