الاثنين، 25 يونيو 2012

حديث اليوم*: ألعب .. أرضي...


كنا نتجاذب أطراف الحديث حول ما قام به البعض من مخاطبات وصلت إلى سقف البيت الليبي، ولعلها تصل بعد ذلك إلى "بان كي مون" أي سقف البيت العالمي..
وبينما نحن كذلك إذ دخل علينا أحد المهندسين الشبان بمصنع القطاعات يحمل قطعة بيده (straight spring collet)، طالباً البحث عنها في قائمة قطع الغيار للمصنع..
تأملت القطعة وكذلك زملائي، وقلت أعتقد أننا لم يسبق أن طلبناها أو أن المقاول قد أدرجها ضمن قائمة التزويد الأولية (Initial Supply)، حيث أنها قد تعتبر من القطع المعمرة (Capital Spares).
وسألته عن سبب عطبها، فقال يبدو أن الفني مشغل الآلة لا يقوم بإحكام ربط عدة القطع عليها، فينتج عن ذلك كثرة الاهتزازات التي تسبب في تآكل القطعة..

قلت له إن لديَّ وجهة نظر أخرى لعلها تكون هي السبب الجذري في مأساة هذه القطعة..
أعتقد أن الفني مشغل الآلة يقوم بإحكام تثبيت عدة القطع، ولكنه لا يلتزم بمعيار العمل، الذي يلزمه بإعادة تسوية عدة القطع (redressing/regrinding) كلما ظهرت مؤشرات وجوب ذلك..
أيد المهندس الشاب كلامي، وعقَّبَ بقوله إن الأمر لم يقف عند حد عطب هذه القطعة فقط بل إنه سبب في حدوث اهتزاز حتى في صندوق تروس الآلة..
ولو عددنا القصص المشابهة لما كفانا الحديث عنها طول عمرنا..
المغزى من هذه المقدمة، أن الكثير من المشاكل والكثير من الأعطاب والأعطال سببها العامل البشري، بل أكاد أُجزم أن 80 % منها كذلك، على رأي مبدأ "باريتو-Pareto"..
إن عدم الاهتمام بالعنصر البشري في العملية الانتاجية، سَبَّبَ وسيُسَبِّبُ الكثير من الهدر المالي والخسائر الجانبية التي يمكن تفاديها، بل ومنعها، إذا كانت العمالة مؤهلة ومدربة وملتزمة بمعايير العمل أو "دستور العمل-Work standard"..
إن ما نشاهده من "عبثية" و"ارتجالية" في أعمال الفنيين، وسكوت المسؤولين عنها، والتغاضي عن أسلوب العمل الغير صحيح، يدل دلالةً واضحة على أن هناك تواطؤ على اتباع أسلوب (استمرار التشغيل حتى الدمار)..
لقد اتخذ معظم المسؤولين الذين تولوا إدارة هذه الشركة، ومعهم المسؤولين الصغار، أسلوب تغطية المشاكل بمشاريع وهمية فاشلة، فلا هم حلوا المشكلة الأصلية، ولا هم أضافوا قيمة جديدة للشركة، فأفسدوا وضلوا وأضلوا "على علم"..
ولنكمل المأساة الثانية على لسان ذلك المهندس الشاب، حيث شكى لنا من أن العربة التي يُعَوَّلُ عليها في نقل المعدات من الورشة التي يعمل بها إلى خط الدرفلة بها عطل، ويخشى أن يتوقف عمل الورشة، فقلت له بل قل المصنع بأكمله..
عندها انبرى له أحد الحاضرين قائلاً أن هناك عربة قديمة أُزيلتْ من مصنع القضبان بعد " تطويره!!!"، فلو عثرت عليها يمكن أن تجد فيها قطع غيار مشابهة تُصْلِح بها عربتكم..
قلت لهم: هل تعرفون أين تلكما العربتين؟؟.. ولم يجب أحد..
قلت إن إحداهما "رُميت" بكل إهمال في إحدى الساحات الترابية، أما الأخرى فلا أدري عنها شيئاً..
هل هناك كلمة تعبر عن هذا غير "العبث"؟؟ أظن أن الذي يحدث هو أكبر كثيراً من كلمة "عبث"..
إن مآسينا وآلامنا التي نعانيها، لا تتجاوز الأسوار التي أحاطونا بها كالأنعام، وما رمي الكرة بعيداً، والآن بعيداً و"عالياً" إلاَّ لصرف الآنظار عن مشاكلنا الداخلية المتأصلة والمتجذرة..
فيا قومنا..
"إلعبوا أرضي"، ولا تبتعدوا عن جذور البلاء..
ولا تنجَرُّوا لمعارك جانبية ليست من مهامكم، وستستنزف جهودكم ووقتكم ومكانتكم...
ودعوكم من الأضواء والبهرجة الزائفة..
فما أخذتموه على عاتقكم، لا يقوم به إلاَّ من اعتاد ركوب المشاق، وسلك الدروب الوعرة، وتعود شظف العيش..
إنه كفاحٌ ونضال...
وليس تغنجٌ ودلال..
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
وبالله التوفيق..
----------------------
الاثنين 2012/06/25م.

هناك تعليق واحد:

  1. تم بحمد الله اليوم الثلاثاء 2012/06/26م. العثور على بقايا العربة الثانية (Transfer Car) في مكان قريب من العربة الأولى.

    ردحذف