الثلاثاء، 8 مايو 2012

المعذبون في الأرض..


أحزنني جداً ما يعانيه العاملون بورشة الدرافيل بمصنع درفلة القضبان والأسياخ بالدرفلة الطولية من شقاء، بسبب بيئة العمل وظروفه السيئين للغاية، وخاصةً منظر ذلك القني وهو يدفع عربة محملةً بالمعدات أمامه لمسافة طويلة..
وقد أشرنا إلى مشكلة ورشة الدرافيل ونقل ومناولة المعدات بينها وبين خطوط الدرفلة، في مقالنا "الخط المزدوج لدرفلة الأسياخ.. العناد يولد الفساد"..

ونتيجة للإهمال الذي يتعرض له العاملين بالورشة، لم يتم توفير وسيلة مناولة مناسبة حتى الآن، وما هو متوفر عبارة عن "شاحنة" كثيرة الأعطال وغير معدة أصلاً لهذا الغرض، وعربة صغيرة يدفعها العامل بيديه لمسافة قد تزيد عن (500) متر بحمولة من الموجهات وغيرها، جيئةً مرة وذهاباً مثلها..


وكنت أود أن يضغط العاملون على إدارة الدرفلة الطولية لتنظر إليهم بشفقة ورحمة، ولكن يبدو أن العاملين استمرأوا العذاب والشقاء وظنوا أنه ليس في الوجود شيءٌ اسمه بيئة عمل سليمة وآمنة..
منذ فترة طويلة يستخدم العاملون تلك العربةً اليدوية لمناولة المعدات، ويبدو أن العربة قد عطبت، وكان العطب في إحدى عجلات العربة، وقد كثر الهمس لإصلاح العطب وشراء عجلة جديدة.
وقد جعلني هذا أتذكر قصة الدكتور عبد الرحمن السميط -شفاه الله- حين كان في الصومال مع عائلته..
ذكر أنه أثناء تنقلهم بالليل في سيارة صحراوية مكشوفة مع أسرته برفقة الدليل الصومالي، أرادوا أن يستريحوا في مكان آمن، فسمعوا همهمات وأصوات لم يتبينوها، فانطلق الدكتور والدليل يتسمعان مصدر الصوت حتى تفاجاءا بوجود خيامٍ، سلما ودخلا، فإذا برجل ومعه أطفال كثيرون يقرآون القرآن..
سأله الدكتور ماذا تفعلون ولماذا أنتم هنا في هذا الخلاء المخيف.؟.
قال الرجل، أنا شيخ أُحفِّظُ هؤلاء الأطفال القرآن، وقد اخترت هذا الوقت المتأخر من الليل لآنهم في الصباح يدرسون وفي المساء يذاكرون فلم يبقى إلاَّ الليل..
فقال الدكتور: وماذا تحتاجون لأقدمه لكم؟..
قال الشيخ: إن غاية أملي أن نجد حبلاً لكي نرفع به الماء من ذلك البئر العميق، فإننا نكلف أحد الأطفال بالنزول في البئر كلما احتجنا إلى الماء، وهو أمرٌ خطير...
يعلق بعدها الدكتور قائلاً: لقد صُعِقتُ بهذا الرد، فلم أكن أتصور أن هناك إنسان غاية أمله وحلمه أن يحصل على حبل...

فهل سيكون غاية أمل المعذبين في الورشة أن تتوفر لهم هذه العجلة، ليرضى عنهم السادة ؟؟..
ويستمرون في أعمال السخرة التي اعتادوها صامتين صابرين.؟؟..
الغريب -وليس بغريب- أن المدراء يلحون في البحث عن العجلة لحل المشكلة الآنية، ولا يخطر ببالهم عذابات هؤلاء البشر، طالما أنهم لا يشكون ولا يتذمرون وفي سبيل دوام التشغيل بكل غالٍ يضحون..
ونكرر صراخنا الدائم..
رعاياك يا مولانا..

هناك تعليقان (2):

  1. أخي مشرف الصفحة بارك الله فيك على طرح هذه المواضيع وتناولك للمشاكل والسلبيات التي ربما تعود البعض عليها لدرجة الاقتناع بحتميتها مع العلم بأن هناك ألف سبب وسبب يدعونا لإجراء تقييم شامل وتصحيح لمسارنا ومعالجة لكل مابنا من أخطاء، وبعد إذنك فقد قمت بنسخ هذا المقال وتعميمه على البريد الداخلي والتعريف بهذه المدونة وعنوانها على الشبكة لعل ذلك يساهم في تقريب الصورة واتخاذ الإجراءات العملية حيال هذه المشاكل

    ردحذف
    الردود
    1. تحية تقدير واحترام لك أخي ناصر..
      للتوضيح، فقد كتب هذا المقال على عجل، بسبب بعض التجاذبات الداخلية بين العمال أنفسهم، والتي لا يعلم بها أكثر قياديي الشركة، وإن علموا فهم لا يهتمون، وإذا اهتموا فهم لا يعملون ولا يتحركون..
      قلت لبعض الأصدقاء إن وضع البشر في شركتنايشبه كثيراً وضع "المورلوكس-Morlocks" و "الإلوي - Eloi"، في قصة "آلة الزمن-The Time Machine" للكاتب الإنجليزي الشهير (H.G. Wells)، فالنوع الأول مخلوقات غلاظٌ شداد يمثلون العمال الكادحون المهمشون، والنوع الثاني مخلوقات لطيفة نظيفة رهيفة يمثلون الطبقة العليا المترفة والمرفهة على حساب النوع الأول، وهما منفصلان تماماً، حيث يعيش النوع الأول تحت الأرض في أسوأ ظروف للعيش على الإطلاق من الظلمة والعمل المرهق والهواء الملوث، والثاني فوق الأرص يمارس اللهو والمتع بكل أنواعها فقط ولا يعمل إطلاقاً..

      حذف