الخميس، 31 مايو 2012

قبل التفعيل والتشغيل..

..............................
الاتهام بالمثالية مطيةٌ اعتاد أصحاب الياقات النظيفة ركوبها، كي ينالوا من  كل من يطالب بالحقوق قبل الالتزام بالواجبات، ومحاولة إسكاته كمداً وغماً، خدمةً لفئةٍ حسبت نفسها أنها مبعوثة العناية الإلهية للتمتع بمزايا الشركة المجانية..
هؤلاء أنفسهم يمارسون اللاواقعية تشريعاً ومطالبةً، حيث يظهر تأثرهم بغسيل الدماغ الذي أجراه عليهم التشكيل العصابي الهالك، والذي جعل غاية أمل الليبي هو أن يصل إلى رغيف الخبز صباحاً، وأصبح هو همه اليومي، كما يصلي المسيحيون (ربنا أعطنا خبزنا كفاف يومنا)، وما يتعرض له من معاناة في سبيل ذلك.
لقد كان زعيم ذلك التشكيل يَمُنُّ علينا بأن الدقيق يباع لليبيين بسعر "التراب"..

دولة لا تتوفر فيها أدنى مقومات البنية التحتية، ومنها المواصلات العامة، كيف تطالب الناس بأمور هي مثالية وطوباوية مقارنةً بأوضاع الدولة اللادولة..
المسؤولون بشركتنا العتيدة يتمتعون بمزايا مجانية، ولا يحسون بما يلاقيه العاملين العاديين من معاناة وشقاء.
قد يكون عجيباً أن تتواتر الأقوال التي يحفظها المسؤولين عن ظهر قلب، وكأنهم  تمالئوا عليها، ولكن لا عجب..
فحين تسمع أحد المدراء في الدرفلة الطولية يقول: (الشركة ليست ملزمة بأن توفر للعاملين وسيلة مواصلات)، ثم يردد عليك أحد العاملين بإدارة الصلب قول أحد المدراء عندهم (الشركة ليست ملزمة بأن توفر للعاملين وسيلة مواصلات)، وكثيرٌ منهم لم يعرف غير سيارة الشركة تقله على بساطها من غرفة نومه إلى عتبة مكتبه، توقن جيداً بأن هناك مصدرٌ واحدٌ يستقون منه، وهو لوائح الشركة التي أُعدت في كواليس المكاتب المكيفة والروائح العطرة، بعيداً عن أرض الواقع وروح العصر..


يقولون هذا لكل من أتى الشركة متأخراً لدقائق معدودة، أو تغيَّبَ بحجة أن السيارة تعطلت لسبب ما، أو أن الحافلة قد مرت أمامه ولم تقف لمزاج السائق، أو أنه وصل المحطة بشق الأنفس، ولكن الحافلة مرت قبل وصوله بلحظات -وليس دقائق-، أو أن الأمطار قد أعاقته، أو أن كلاباً تعرضت له في الطريق، خاصةً في أيام وليالي الشتاء المظلمة المطيرة العاصفة...إلخ.
كل هذه التبريرات كانت لا تحرك من المسؤول شعرة، لأنه -يخيل إليه- خُلِقَ من طينة النضار التي تختلف عن طينة التراب لذلك الكادح المسكين، الذي كان جُرْمُهُ أنَّ أُمَّه لم تلده مسؤولاً -أبدياً- في "إمبراطورية" إسمها الشركة الليبية للحديد والصلب..
أتذكر جيداً قول الدكتور أحمد شنبش في أول دورة لنظام الآيزو بالشركة (1996م.) حين كان يقول لنا، كيف سنصل إلى الحصول على هذه الشهادة، والعامل يركبه "الوجيج" من لحظة استيقاظه من النوم إلى وصوله لعمله، وذكر بالتحديد مسألتي "الخبز" و"المواصلات"..
أقول لإدارة الشركة التي تدعو إلى "تفعيل" البوابات ومنظومات الحضور والانصراف، وللذين يصطفون معها وهم يطالبون العاملين بالالتزام بلوائح الشركة في هذا الشأن.. احترموا "أرواح" الذين قضوا بسبب لوائحكم "الإرهابية" "القاتلة"، لو كان هذا في دولة متحضرة لسيق الذين صاغوا تلك اللوائح إلى ساحات المحاكم، ولوجِّهتْ إليهم تهمة المشاركة في "القتل"..
قد يستغرب الكثيرين، ويظنون أننا خياليين وحالمين ومثاليين، إلى غير ذلك من الأوصاف والنعوت، ولكن من يراجع سجلات الحوادث التي راح ضحيتها بعض العاملين وهم في طريقهم إلى "حتفهم" قبل وصولهم بوابة الشركة، سيدرك أننا نعيش واقعاً مُرَّاً، لم يجرؤ أحدٌ على الإفصاح عنه قبل ثورة 17 فبراير..
 
إن التشدد في اللوائح، جعل من العامل لا يضع أمام ناظريه إلاَّ "البوابة"، ولا يرى شيئاً سواها، حتى أن الكثيرين كانوا يُصَرِّحُون بأنهم لم يكونوا يدرون كيف وصلوا إلى العمل، لأنهم لا يرون شيئاً أمامهم إلاَّ البوابة "المرعبة" خوفاً من تسجيل "دقيقة" تأخير عليهم، فيدخلوا في دوامة العقوبات التي تتجمع وتصبح كابوساً يطارد العاملين في معاشهم ومستقبلهم الوظيفي، وحتى في نومهم..
 
لذلك فإن هذا "الباستيل" العتيد لن يكون حبيباً لأي عامل، حتى تنهار وتتحطم جدرانه بدءاً باللوائح والنظم، مروراً بالمسؤولين المحنطين الواهمين، وانتهاءًا بالأسوار والبوابات والأبراج والأسلاك الشائكة..
وسيقول "سدنة" الشركة ومن الذي أجبركم على العمل بالشركة، فلتذهبوا بعيداً، وابحثوا عن من يرضى بكم، فما جُعلت الشركة إلاَّ للراضين المنعمين، الذين يقبلون اليد الكريمة ظهراً وبطنا..
أغربوا عنَّا ولا تنكدوا عيشنا الهني.. يقولون.
وإننا لباقون.. ولكم مترصدون.
.................................................
كتبت الموضوع قبل أن أطلع على منشور مفوض عام الشركة، رقم (2000012010035)، المؤرخ في (2012/05/29م.)، ولا زالوا يكتبون "ميلادية" في المنشور، كما أوصى المقبور.

هناك تعليقان (2):

  1. ياحاج امحمد لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي وقد أشعلت لو نفخت نارا ولكنك تنفخ في الرماد

    ردحذف
  2. كنا يا سيدي نتحجج بالخوف والبطش، والآن ليس لنا حجة..
    أعتبر هذا العمل من باب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما كان يسمى اصطلاحاً بـ(الحسبة)..
    علينا العمل، وعلى الله التكلان..
    نحن مطالبون بالعمل فقط، ولا ننتظر النتائج..
    وهذا إعذارٌ منا في جنب الله.. أو إبراءٌ للذمة..
    وهو كذلك مساهمة في دعم الشركة والحفاظ عليها..
    وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ..

    ردحذف