الجمعة، 7 سبتمبر 2012

إعادة التأهيل.. وعقبة المستحيل..


لو تحدثت عما يجب أن يكون، حتى للمرحلة الحالية سيقال هذا مثالية غير واقعية..
كان القراصنة السابقون -القذافي وأتباعه-  يغرسون في عقول الليبيين أن هذا العالم -أو الكون- حدوده رأس اجدير غرباً وامساعد شرقاً والبحر شمالاً والصحراء جنوباً، وبين كل حد وحد مجرد خط، فإذا خرجت من رأس اجدير ستلقى امساعد، وإذا أبحرت فسيرسي زورقك في فزان ..

فما يحدث في هذا الكون الصغير هو الحق والعدل والحضارة والتقدم...الخ. حتى أننا بتنا نسمع من يقول إن "سويسرا" يمكن أن تلحق بنا في ركب الديموقراطية المباشرة، وأن ملكة بريطانيا تتمنى تطبيق فكرة "الأمن الشعبي"..
وضع الشركة الآن أقرب ما يكون لنهاية مرحلة التنفيذ، وعليها أن تهيئ التسهيلات اللازمة لاستقبال العاملين لبدء التشغيل، وهذا يحتاج إلى خطة وميزانية تقوم بها هيئة متخصصة وخبراء محترفون، وليس كما يحدث الآن..
"الإنسان مركز الكون"، وهو الثروة الأولى والأبدية التي لا تنفد، وما لم تجعل الشركة "العمال" أولى اهتماماتها بل وهدفها، فإن مصير الشركة ومستقبلها سيكتنفه الغموض..
فلتجعل الشركة شعارها "العامل .. أولاً" إذا كانت تروم النجاح والمنافسة..
على الشركة أن تسخر جميع إمكانياتها لخلق هذا العامل "الجديد"، بحسن الاختيار والتدريب والتأهيل وحتى التأديب والتهذيب، وتوفير كافة التسهيلات والخدمات، بعد أن تقتنع بأن أنجح وأفضل استثمار هو الاستثمار في "الموارد البشرية"..
كنت أشاهد أحد الإعلانات لمنتجات شركة "لورباك" الدانماركية، وقد كان شعارها "نحن ندلل بقراتنا".. لم يكن هذا الشعار عبثاً ولا تفكهاً، بل إن مغزى هذا الشعار هو سر نجاح هذه الشركة..
لقد أنفقت الشركة (Lisco) عشرات -ان لم تكن مئات- الملايين في مشاريع فاشلة مسبقاً، ولكنها كانت من جهة أخرى تناضل من أجل عدم تعويض عاملٍ مصابٍ كاد أن يفقد حياته بذريعة عدم اتباعه لقواعد السلامة، وغير هذا أخجل من ذكره..
أما مصاريف وتعويضات القضايا التي رفعت ضد الشركة فأسمع بها ولم أطلع عليها ..
معظم العاملين سقف مطالبهم المرتب والسكن والمواصلات، أما ما عداها فيعتبر ترفٌ لا لزوم له..
فالحديث عن حقوق العاملين كان من المحرمات، لأن الشركة هي المتفضلة عليهم بتشغيلهم وهي مصدر رزقهم، وينصحونك بقولهم "البير اللي تشرب منه ما ترميش فيه رشادة"..
لماذا لا نزيل من على أعيننا ذلك الغطاء الذي أُلبسناه عقوداً طويلة كي لا نرى الدنيا من حولنا..
كحمار الحقل المُعَمَّى حتى لا ينحرف عن مساره..
ليس ما أريده حلماً أو مستحيلاً، فقد كانت الشركة عند استلام مصانعها ووحداتها من الشركات المقاولة في بداية التشغيل مجهزة بأحدث النظم والتراتيب الفنية والإدارية والخدمية، بما يجعلها في مصاف الشركات العالمية..
ولكن توسيد الأمر لغير أهله انحرف بالشركة وجعلها خارج مفهوم الشركة العصرية، بل مجرد معسكر أو معتقل يحجز مجموعة من البشر لوقت محدد ثم ينصرفون بلا هدف أو أمل..
كنتُ كثيراً ما أضحك -وشر البلية ما يُضحك- من أحد المدراء الذي يتشدد في معاقبة العاملين بسبب التأخير، وعندما يتحجج العامل بعدم توفر المواصلات، يقول له المدير"إن الشركة غير مُلزِمة بتوفير مواصلات للعاملين" والمدير ذاته لم تطأ قدماه أرض الشركة منذ أن عُيِّنَ فيها إلاَّ وهو في سيارة الشركة من عتبة البيت إلى عتبة المكتب.. وكأن العامل "مواطن" من الدرجة الثانية ولسوء حظه أنَّ أمَّه لم تلده مديراً..   
أين مشروع المدينة السكنية المتكاملة.؟؟.. لا يوجد منها إلآ مخططات على الورق، وبعض التجمعات هنا وهناك..
لماذا فشلت إدارة النقل في نقل الأفراد.؟؟.. ولماذا لم تحاسب بل أُسندت هذه الخدمة لشخص زودته الشركة بحافلاتها المتهالكة واشترى بضع حافلات مستعملة ومنتهية الصلاحية، ولم أسمع بمحاسبة أي مسؤول، بل يأتيك الرد سريعاً بأن الشركات العصرية هي التي تتخلص من عبء خدماتها وتحيلها إلى جهات خارجية، وكأننا في أمريكا أو اليابان؟؟..
لماذا لم تستغل المطاعم بما جُهِزت وكما خُطِط لها.؟؟. استغلت كمخازن ومطبعة ومآرب أخرى..
لماذا أغلقت جميع حجرات التغيير، وحرم منها العاملون.؟؟..
لماذا أغلقت المقاهي -بل بعضها أزيل- في المصانع.؟؟..
لماذا يظل العامل يجري وهو محسور لأنه لا يجد حماماً لائقاً يقضي فيه حاجته؟؟..
يا سادة.. أنا أعيش في قصة "آلة الزمن" حيث يتنعم المحظوظون السعداء، وحيث يتهاوى الكادحون الأشقياء..
بصراحة.. عن إعادة التأهيل..
--------------------------------
ماذا نريد بإعادة تأهيل الشركة الليبية للحديد والصلب.؟؟..
باختصار شديد: هو إعادة تجهيز الشركة واستعدادها للعمل من جديد..
ويمكن أن يشمل ذلك:-
- وضع رؤية ورسالة للشركة (Vision & Mission)..
- إضافة البعد الاجتماعي لأهداف الشركة..
- إلغاء الشهادات الدولية "الزائفة" السابقة، والعمل على الالتزام بمعايير تلك الشهائد أولاً ثم التقدم لنيلها، على أن لا تكون هي الهدف لذاتها..
- صيانة المصانع والوحدات المساعدة، صيانة شاملة من طرف المقاولين الأصليين أو من يحددون الاستعانة بهم..
- صيانة المرافق على أسس ومعايير دولية، وإضافة مرافق جديدة.
- توفير خدمات النقل والسكن والاعاشة والرعاية الصحية، وتطوير وتوسيع الخدمات التي كان يقدمها "مكتب خدمات العاملين"..
- تهيئة بيئة العمل وجعلها نظيفة سليمة آمنة، جاذبة لا طاردة مرغبة لا منفرة، وتطبيق مناهج الـ "TPM" والـ"Gemba-Kaizen"، وتفعيل دوريات السلامة "Safety Patrol" وغيرها والالتزام بها.
- تدريب وتأهيل العاملين في جميع المستويات والمؤهلات والتخصصات داخلياً وخارجياً.
- التشجيع على العمل بروح الفريق، ونشر ثقافة مجموعات العمل الصغيرة "Small group activities" وحلقات ضبط الجودة"Quality control circles".
- تعيير الشركة (Company Standardization)، أي وضع معايير لكل إجراءات وخطوات العمل (Work Standards) وتحديد المسؤوليات المكانية والإدارية لكل أجزاء الشركة (Scope of Work)..
- استكمال مشروع "الميكنة" الذي كان منتظراً أن يربط كافة أجزاء الشركة عن طريق شبكة داخلية شاملة ومتكاملة..
- إعادة النظر في جميع النظم واللوائح المعمول بها سابقاً في الشركة، وتعديلها بما يناسب ويواكب الشركات الحديثة في هذا المجال، الإدارية والمالية والتجارية.
- وضع هيكلية إدارية جديدة تتماشى مع التغييرات المطلوبة، وعلى أحدث النسق المتبعة في العالم.
- تغيير الكوادر الإدارية "القيادية" القديمة بالكامل، والاستعانة بأطقم من خارج الشركة سواءٌ من العناصر الوطنية المهاجرة ذات الخبرة في نفس المجال، أو شركات أجنبية لها سابق عهد بالعمل في الشركة مثل فويست ألبين النمساوية أو كوبي للصلب اليابانية، وتطعيمهم بالعناصر الوطنية الشابة -تحت التدريب-، وعدم فتح المجال للمغامرين لدخول الشركة كما حصل سابقاً مع مجموعة (GSHL) الهندية.
- توفير المعدات والعدد والمستلزمات الأصلية بجودة عالية من شركات متخصصة.
هذه بعض الملاحظات عن مقصودنا بإعادة التأهيل..
والذي نرجو أن لا يتحول إلى "مستحيل" بموازين الإدارة الحالية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق