الخميس، 28 فبراير 2013

نبض المصنع.. التلفيق.. وعقلية علها تعي وتفيق..


في نهاية دوام هذا اليوم الخميس 28 فبراير 2013م.، وفي الخط الثاني لمصنع درفلة القضبان، لفت انتباهي بعض الفنيين ومشرفهم وهم يتعالجون مع إحدى المعدات، فعرجت عليهم لأستطلع الأمر، فإذا بي أرى مشهداً بائساً لا يسر الناظرين..
رأيتهم يتحركون في بحر من الشحوم الملوثة بالسناج، فهو بين أيديهم وخلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم ومن فوقهم وتحت أرجلهم، ظلماتٍ بعضها فوق بعض إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها، وخطر الانزلاق والتعثر والاصطدام محذقٌ بهم..
هذه المعدة هي إحدى المعدات التي تم "تحويرها" من النظام الميكانيكي إلى النظام الكهربائي، بعد أن "فشلت" الإدارة في صيانتها والمحافظة عليها، حتى وصل الأمر إلى حدِّ جَرِّ الصالحةِ منها بالجرار الزراعي -التراتوري-  جراً على الأرض كأنها محراث، ليتم تبادلها بين خطوط الدرفلة، بعلم أساطين الدرفلة الطولية ورضاهم في ذلك الوقت..

كان العمل المطلوب هو تركيب درافيل في أحد قوائم الدرفلة النهائية، وهذا يتطلب دفعها بمعدة تغيير الدرافيل (Roll changing equipment)، ولكن الفنيين كانوا يستعملون قضيباً بين الرأس الدافع وسواند الدرافيل (Roll chock)، وهذا يُعزى إلى أحد أمرين إما أن سكة المُعِدة معطوبة، أو أن عمود الدوران المقلوظ به إعوجاج أو تشوه..
لقد رأيت معاناة هؤلاء الفنيين والعمود المستعمل كـ"موديفكا" ينثني في كل محاولة للدفع، بسبب عدم تمهيد الطريق أمام الدرافيل ليسهل ولوجها في داخل القائم، فالمعدة وهي أداة الصيانة تحتاج هي نفسها إلى صيانة،  كما أن سكة القائم تحتاج إلى صيانة وصقل حتى تكون كالمرآة ومن ثمَّ تشحيمها، ثم بعد ذلك أو قبله يجب صيانة أسطح السواند الحاملة للدرافيل وتشحيمها كذلك...
هذه مقدمة بسيطة واستهلال سريع لموضوع هام...
فبناءً على طلب من إدارة الدرفلة الطولية -لا أدري إلى أي جهة كان موجهاً-، تطلب فيه الإدارة تطوير أو تحسين بيئة العمل في ساحة تركيب الدرافيل، رأت الجهة التي آل إليها الإجراء تشكيل "لجنة" أو "فريق عمل" تتولى هذه المهمة..
من السهل تلفيق الحلول الآنية، ورصد الميزانيات وتكيلف مقاولين أو مغامرين محليين، ولكن لا اللجنة أو الفريق ولا المقاول أو المغامر سيضعون نصب أعينهم أصول وشروط بيئة العمل السليمة والآمنة والتصميم الأمثل لها، بل كل ما يهمهم أن تحل المشكلة كيفما كان..
المشكلة أعمق من هذا بكثير..
فمجرد تنفيذ حوض أو حفرة للتنظيف لن يكون حلاً نهائياً، ولن يكون مصيره بأفضل مما حدث لمثيله في الدرفلة المسطحة..
لابد أن تكون النظرة للمشكلة بشمولية أوسع، أي أن توضع المخططات الصحيحة لورش الصيانة من قبل بيوت خبرة صناعية رائدة في هذا المجال، وأن يكون الحرص على الالتزام بتعليمات العمل القياسية هو الأساس في القضاء على هذه المشكلة، وذلك بأن تتم عمليات الصيانة وفق توجيهات المقاول الأصلي للمصنع، بحيث يتم تفادي تسربات الزيوت والشحوم، ولن يتأتى هذا إلاَّ بإعادة تدريب الفنيين تدريباً صحيحاً من قبل الشركات المصنعة للمعدات نفسها، وأن لا يسمح للعناصر المحلية بتولي هذه المهمة لأنهم بحاجة إلى التدريب هم أنفسهم، وكذلك توفير قطع الغيار والمستهلكات، وعندها فقط يمكن أن تصل المعدات إلى الورشة وهي نظيفة، وهذا أيضاً يستوجب أن تكون محطة التنظيف خارج الورشة أو بعيدة عن موقع الصيانة..
كما أن توفير المعدات والأدوات الخاصة بالتنظيف والمواد اللازمة له، وتخصيص أفراد للتفرغ لأعمال التنظيف فقط، كل هذا يساعد في التغلب على المشكلة، مع ضرورة التزام الإدارة بالمتابعة الميدانية الدائمة لأماكن العمل، وإعادة إحياء وتفعيل دوريات السلامة (safety patrol) وتبني مفهوم الصيانة الانتاجية الشاملة ومبدأ "جيمبا كايزن-
Gemba KAIZEN" أو تحسين موقع العمل..
نريد أن يكون الحل جذرياً وشاملا لكل الورش وأماكن العمل بالشركة، وهو ما يؤول في نهاية الأمر إلى ضرورة تبني خطة إعادة التأهيل الشاملة المتكاملة، وهي قطب الرحى الذي عليه تدور عجلة الإصلاح المنشود..
أرجو أن يتريث من بيده اتخاذ القرار، ولا يتعجل في هدر الأموال بلا طائل..
فنحن بعيدون جداً عن العقلية الصناعية، ويجب أن نعترف بذلك ولا نكابر..
فهل وعينا الدرس جيداً..؟؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق