الأحد، 1 يوليو 2012

أزمة ثقة..


منذ أكثر من ربع قرن لم تستطع الشركة أن تبني وتمد جسور الثقة بينها وبين عمالها ومستخدميها، وقد تجسد ذلك في الخندق العريض العميق، الذي حفره المسؤولون وجعلوه حاجزاً يُبعد عنهم العاملين، وذلك الجدار العازل الذي أقاموه ليكرسوا مفهوم السادة والعبيد، وذلك البرج العاجي الذي اعتكفوا فيه ومارسوا حياةً خاصة اصطنعوها لأنفسهم، لا يشاركهم فيها أحد.فتم تسييج الشركة بأسوار وأسلاك شائكة، وأبراج مراقبة وبوابات، تذكر بالسجون والمعتقلات، وتم نقل المبنى الإداري الرئيسي من موقعه الذي صمم لينفذ فيه، إلى موقعه الحالي بعيداً عن أنظار العاملين الكادحين وفي أسوار وأبراج وبوابات منفصلة عن وحدات الشركة ومصانعها.
وقد تعامل المسؤولون منذ تأسيس الشركة بكثيرٍ من الشك والريبة مع العاملين، الأمر الذي حرم العاملين الكثير من الخدمات والمرافق الخدمية، والكثير من الحقوق، وزاد من التضييق عليهم في اللوائح والأنظمة.
وقد بدا ذلك جلياً في التعديل الذي أجراه واضعو القوانين بالشركة على لائحة شؤون العاملين، التي كان معمولاً بها قبل قرار إعلان تأسيس الشركة، وخاصةً فيما يتعلق بالمواظبة، ثم انتقل إلى النماذج المعمول بها، من نماذج الصرف من المخازن، ونظام العهد الشخصية، وختامها بنموذج إخلاء الطرف، والاجراءات الروتينية المعيقة والمتخلفة..
وحرمان العاملين من الاستفادة من حجرات التغيير، والمطاعم والمقاهي التابعة للمصانع والوحدات الأخرى، وإرغامهم على ركن سياراتهم خارج أسوار الشركة، وتعدد منظومات ونماذج اثبات الحضور والإنصراف، حتى أن العامل يضطر إلى اثبات حضوره بقارئة التصاريح في البوابة أولاً، ثم في منظومة البصمة الإلكترونية ثانياً، وأخيراً ورقة الحضور والإنصراف اليدوية..
أضف إلى ذلك، التضييق على العاملين في صرف أجهزة الحاسوب وملحقاتها، والمواد اللازمة لها، ومواد القرطاسية والمكتبية، والأثاث المكتبي، والمواد التموينية كالقهوة والشاي والسكر والمياه الصالحة للشرب، فهذه أشياء لا ينالها إلاَّ المحظوظون وبعلاقاتٍ خاصة في بعض الأحيان.
كما أكد ذلك ما يمارسه المسؤولون من استئثار بصناعة القرار، وتركيز كافة الصلاحيات بأيديهم وحدهم، فأصبح المشرفون مجردون من صلاحيات تجعلهم أكثر فاعليةً وعطاءً وأداءً لعملهم وللشركة، ولم يعد دروهم يتجاوز تنفيذ التعليمات وتوزيع الأعمال وكتابة التقارير وغيرها، حتى تقارير الكفاءة غالباً ما يهمش رأي المشرفين فيها، وكانت مهزلة المهازل هي تلك المكرمة التي جادت بها الشركة عليهم، بأن سمحت لهم بركن سياراتهم داخل أسوار الشركة، بجوار بوابة الدخول، أي بفارق بضع أمتار عن خارج الأسوار، ولم يسمح لهم بركنها في محطات السيارات الخاصة بالمصانع والوحدات التي يعملون بها..
حقيقةً، لم تكن إدارة الشركة تتعامل مع العاملين بما يخالف معاملة رأس الفساد والإجرام والفوضى "الرميم الهالك" مع الشعب الليبي، فهم على دربه سائرون وبتعاليمه ملتزمون وبفكره مستمسكون،  وأضحت الشركة (ليبيا مصغرة)، تمارس فيها كل أشكال التهميش والتضييق والتحقير، وزاد من هجير ذلك الأتون الأجهزة الأمنية المنبثة بين العاملين تحصي عليهم أنفاسهم ودقات قلوبهم وخواطر أفكارهم..
فكيف يؤدي العاملون أعمالهم في مثل هذه الأجواء؟؟.
تلك كانت صفحةً طُويتْ..
فما بال أقوامٍ يحاولون إعادتنا قسراً إليها، هل هو الخوف من توابع الزلزال، الذي أزال منظومة الشر في هذه البلاد؟، فاختاروا سياسة الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع عن مكتسباتهم، التي حسبوا انها أبدية لا تبيد ولا تحق لأحدٍ غيرهم، واخترعوا معارك وهمية وفتحوا جبهات جانبية لإلهاء العاملين وإبعادهم عن التفكير في الفساد المستشري وهدر الإمكانيات، وتغييبهم عن المساهمة في تصحيح الأوضاع، والنظر إلى المصلحة العليا للشركة..
إن أكثر العاملين قريبوا عهدٍ بالعبودية، يطأطئون رؤوسهم لكل منشورٍ أو قرارٍ يصدر من "الباب العالي"، فلا يناقشونه ولا يتجرأون على انتقاده، ويخضعون له بالذل ويخنعون له بالهوان، وقد شجع هذا السلوك "العبودي" المسؤولين على التمادي في إصدار تلك المنشورات والقرارات المهينة، طالما كانت النفسيات ذليلة خانعة.
لم يتغير المسؤولون عندنا وظلوا كما هم في أبراجهم، يأتيهم الغير ولا يذهبون إليهم، لم يريدوا أن يتنازلوا عن عروشهم..
لقد دعوناهم إلى تغيير أفكارهم وسلوكياتهم، وتأملنا أن يقوموا بوضع أيديهم على الجروح ومواضع الألم التي يئن منها العاملين، لعلهم يشعروا بآدميتهم ولو لدقائق كل يوم..
ولكن للأسف الشديد ازدادت الهوة، واتسع الخرق، فرأينا إدارة الشركة ترسل "المناديب" نيابة عنها لينقلوا إليها ما تريد فقط، ورأيناها تحصر تعاملها مع العاملين في موضوع المواظبة، ومحاولة إسكات ضجيج بعضهم بتلبية مطالب هي في أصلها حقوق، واستكمال تنفيذ أعمال المراحيض والحمامات أو توفير مياه الشرب، وجعل ذلك من ضمن تلبية المطالب!!..
أيها السادة..
إنها أزمة ثقة..
فــ:
دعوا ألف زهرةٍ تتفتح..
ازرعوا بذور الثقة الآن.. لتجنيها الأجيال القادمة..
تنازلوا عن عنجهيتكم الموهومة..
حطموا الحواجز، اردموا الخنادق..
افتحوا صدوركم قبل أبواب مكاتبكم..
أزيلوا الغشاوة من على عيونكم..
حاولوا.. بمحض إرادتكم أن تقدموا إعفاءات من مناصبكم..
ولكن لا تذهبوا بعيداً..
بل جربوا العيش بين العاملين..
فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحمل الأحجار ويحفر بفأسه خندق المدينة، وينقل الطين ليبني مسجده..
فأين أنتم منه؟؟..
فإن غلبتكم أنفسكم وسيطرت عليكم دنياكم ولم تستطيعوا، فانزلوا إلى ساحات العمل، وميادين الكدح والكد..
جربوا استنشاق الأدخنة والأبخرة والغبار، ولوثوا أحذيتكم بالشحوم والسناج، واستمعوا إلى ضجيج الآلات ودوي الصدمات الصامة للآذان، وأنيروا أنظاركم بالأشعة وألسنة اللهيب المصبوب الذاهبة بالأبصار..
لقد كان أحد رؤساء شركة الصلب الأمريكية يقوم بجولته التفقدية اليومية داخل المصانع وفي الورش، ولم يحد عن عادته هذه، وجعلها أمراً مستديماً في أجندة برنامجه اليومي، وكان يحمل معه دائماً دفتر شيكاته، فيقوم بمكافأة أي عامل يستحق المكافأة على عملٍ متفردٍ أو إنجازٍ محققٍ أو إبداعٍ مبتكر، يُخرج الدفتر ويوقع له شيكاً، وكثيراً ما يوقعه على الآلة التي يعمل عليها العامل، فيكون التحفيز ذا دلالة معنوية من رأس الشركة، وجدية الجزاء وفوريته من الناحية المادية..
فإلى بناء وتعزيز الثقة.. ندعو..
فوراً..
وبأسرع ما يمكن.. 
فستندهشون عندما ترون المعجزات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق